باسم شاور عضو جديد
عدد المساهمات : 8 نقاط : 24 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/04/2010
| موضوع: ملف شامل عن عقوق الوالدين وبرهم الإثنين يوليو 05, 2010 1:02 pm | |
| ملف شامل عن عقوق الوالدين وبرهم
العقوق لغة: من العق، وهو القطع.
العقوق شرعاً: كل فعل أوقول يتأذى به الوالد من ولده ما لم يكن شركاً أومعصية.
قال الحسن البصري وقد سئل: إلى ما ينتهي العقوق؟ قال: أن يحرمهما، يهجرهما، ويحد النظر إليهما؛ وقال عطاء: لا ينبغي لك أن ترفع يديك على والديك؛ وقال عروة بن الزبير: لا تمتنع من شيء أحباه.
حكم العقوق
العقوق حرام ومن أكبر الكبائر.
دليل ذلك
من القرآن قوله تعالى: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أفٍ".77
ومن السنة: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور".78
وقد أجمعت الأمة على حرمة العقوق وأنه من الكبائر المتفق عليها.
أ. في الدنيا
1. يضيَّق عليه في رزقه وإن وسِّع عليه فمن باب الاستدراج.
2. لا يُنسأ له في أجله كما ينسأ للبار لوالديه والواصل لرحمه.
3. لا يُرفع له عمل يوم الخميس ليلة الجمعة.
4. لا تفتح أبواب السماء لعمله.
5. يبغضه الله.
6. يبغضه أهله وجيرانه.
7. يخشى عليه من ميتة السوء.
8. يلعنه الله وملائكته والمؤمنون.
9. لا يستجاب دعاؤه.
10. تعجل له العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له يوم القيامة.
11. يعقه أبناؤه وأحفاده.
ب. في الآخرة
1. لا يدخل الجنة إن كان من الموحدين مع أول الداخلين.
2. لا ينظر الله إليه وإن دخل الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث"79، وفي رواية: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَغِمَ أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أوأحدهما ثم لم يدخل الجنة".80
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع"81، وفي رواية: "قاطع رحم". أضف الى مفضلتك
الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الوالدين :
فمن تلك الآداب ما يلي
1 - طاعتهما واجتناب معصيتهما: فيجب على المسلم طاعة والديه واجتناب معصيتهما، وأن يقدم طاعتهما على طاعة كل أحد من البشر ما لم يأمرا بمعصية الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا الزوجة؛ فإنها تقدم طاعة زوجها على طاعة والديها.
2 - الإحسان إليهما: بالقول، والفعل، وفي وجوه الإحسان كافة.
3 - خفض الجناح: وذلك بالتذلل لهما، والتواضع، والتطامن.
4 - البعد عن زجرهما: وذلك بلين الخطاب، والتلطف بالكلام، والحذر كل الحذر من نهرهما، ورفع الصوت عليهما.
5 - الإصغاء إليهما: وذلك بالإقبال عليهما بالوجه إذا تحدثا، وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث، والحذر كل الحذر من تكذيبهما، أو رد حديثهما.
6 - الفرح بأوامرهما، وترك التضجر والتأفف منهما: كما قال - عز وجل -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا .
7 - التطلق لهما: وذلك بمقابلتهما بالبشر والترحاب، بعيدا عن العبوس، وتقطيب الجبين.
8 - التودد لهما، والتحبب إليهما: ومن ذلك مبادأتهما بالسلام، وتقبيل أيديهما، ورءوسهما، والتوسيع لهما في المجلس، وألا يمد يده إلى الطعام قبلهما، وأن يمشي خلفهما في النهار، وأمامها في الليل خصوصا إذا كان الطريق مظلما أو وعرا، أما إذا كان الطريق واضحا سالكا فلا بأس أن يمشي خلفهما.
9 - الجلوس أمامهما بأدب واحترام: وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عما يشعرهما بإهانتهما من قريب أو بعيد، كمد الرجل، أو القهقهة بحضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعري، أو مزاولة المنكرات أمامهما، أو غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما.
10 - تجنب المنة في الخدمة أو العطية: فالمنة تهدم الصنيعة، وهي من مساوئ الأخلاق، ويزداد قبحها إذا كانت في حق الوالدين. فعلى الولد أن يقدم لوالديه ما يستطيع، وأن يعترف بالتقصير، ويعتذر عن عدم استطاعته أن يوفي والديه حقهما.
11 - تقديم حق الأم: فمما ينبغي مراعاته - أيضا - تقديم بر الأم، والعطف عليها، والإحسان لها على بر الأب، والعطف عليه، والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك فتح الباري 10/416 12 - مساعدتهما في الأعمال: فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما.
13 - البعد عن إزعاجهما: سواء إذا كانا نائمين، أو إزعاجهما بالجلبة ورفع الصوت، أو بالأخبار المحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج.
14 - تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما: وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الأخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما.
15 - تلبية ندائهما بسرعة: سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا - تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغا أجابهما.
أصم عن الأمر الذي لا أريده
وأسمع خلق الله حين أريد فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء.
16 - تعويد الأولاد على البر: وذلك بأن يكون المرء قدوة لهما، وأن يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده وبين والديه.
17 - إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا.
18 - الاستئذان حال الدخول عليهما: فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها.
19 - تذكيرهما بالله دائما: وذلك بتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين، وأمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر إذا كان عليهما بعض مظاهر الفسق والمعصية، مع مراعاة أن يكون ذلك بمنتهى اللطف والإشفاق والشفافية، والصبر عليهما إذا لم يقبلا.
20 - الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو الذهاب للجهاد، أو الخروج من المنزل والسكنى خارجه، فإن أذنا وإلا أقصر وترك ما يريد، خصوصا إذا كان رأيهما له وجه، أو كان صادرا عن علم وإدراك.
21 - المحافظة على سمعتهما: وذلك بمخالطة الأخيار، والبعد عن الأشرار، وبمجانبة أماكن الشبه، ومواطن الريب.
22 - البعد عن لومهما وتقريعهما: وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضي الولد، كتقصيرهما في التربية، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها، مما قد بدر منهما فيما مضى.
23 - العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به: من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو إصلاحات في المنزل، أو المزرعة، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما، ويدخل الفرح على قلبيهما.
24 - فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك: فإذا كانا، أو أحدهما غضوبا، أو فظا غليظا، أو كان متصفا بأي صفة لا ترتضى - كان جديرا بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه، وأن يعاملهما كما ينبغي.
25 - كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما: قال الله - تعالى -: وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ الإسراء: 24 ].
وقال - تعالى -: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ نوح: 28 ].
26 - برهما بعد موتهما: فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين - أن كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده، وقرع سنه؛ ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، وتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل.
ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات، فيبر والديه وهما أموات، وذلك بأمور منها:
أ - أن يكون الولد صالحا في نفسه.
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما.
ج - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
د - إنفاذ عهدهما.
ه - التصدق عنهما.
هذه بعض الأمور التي يجدر بنا سلوكها في معاملة الوالدين.
1- طاعتهما بالمعروف ،والإحسان إليهما ، وخفض الجناح لهما . 2- الفرح بأوامرهما ومقابلتهما بالبشر والترحاب . 3- مبادأتهما بالسلام وتقبيل أيديهما ورؤسهما . 4- التوسعة لهما في المجلس والجلوس ، أمامهما بأدب واحترام ، وذلك بتعديل الجلسة، والبعد عن القهقهة أمامهما ، والتعري ، أو الاضطجاع ، أو مد الرجل ، أو مزاولة المنكرات أمامهما ، إلى غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما . 5- مساعدتهما في الأعمال . 6- تلبية ندائهما بسرعة . 7- البعد عن إزعاجهما ، وتجنب الشجار وإثارة الجدل بحضرتهما . 8- ان يمشي أمامها بالليل وخلفهما بالنهار . 9- ألا يمدَّ يدَه للطعام قبلهما . 10- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين . 11- الاستئذان عليهما حال الدخول عليهما ، أو حال الخروج من المنزل . 12- تذكيرهما بالله ، وتعليمهما ما يجهلانه ، وأمرهما بالمعروف ، ونهيهما عن المنكر مع مراعاة اللطف والإشفاق والصبر . 13- المحافظة على سمعتهما وذلك بحس السيرة ، والاستقامة ، والبعد عن مواطن الريب وصحبة السوء . 14- تجنب لومهما وتقريعهما والتعنيف عليهما . 15- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به . 16- فهم طبيعة الوالدين ، ومعاملتهما بذلك المقتضى . 17- كثرة الدعاء والاستغفار لهما في الحياة وبعد الممات .
الأمور المعينة على البر : 1- الاستعانة بالله . 2- استحضار فضائل البر ، وعواقب العقوق . 3- استحضار فضل الوالدين . 4- الحرص على التوفيق بين الوالدين والزوجة . 5- تقوى الله في حالة الطلاق ، وذلك بأن يوصي كل واحد من الوالدين أبناءه ببر الأخر ، حتى يبروا الجميع . 6- قراءة سيرة البارين بوالديهم . 7- أن يضع الولد نفسه موضع الوالدين . من معاصي البدن التي هي من الكبائر أي من المعاصي التي لا تلزم جارحة من الجوارح عقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا ولو مع وجود أقرب منه، قال بعض الشافعية في ضبطه: "هو ما يتأذّى به الوالدان أو أحدهما تأذيًا ليس بالْهَيِّن في العُرف" .
ومن عقوق الوالدين الذي هو من الكبائر ترك الشخص النفقة الواجبة عليهما إن كانا فقيرين ، أما إن كانا مكتفيين فلا يجب الإنفاق عليهما، لكن ينفق عليهما من باب البِرّ والإحسان إليهما، فيُسنّ له أن يعطيهما ما يحبّانه، بل يُسنّ أن يطيعهما في كل شىء إلا في معصية الله، حتى في المكروهات إذا أطاع أبويه يكون له في ذلك رِفعة درجة عند الله. قال الفقهاء: "إذا أمر أحدُ الوالدين الولد أن يأكل طعامًا فيه شُبهة، أي ليس حرامًا مؤكّدًا، يأكل لأجل خاطرهما ثم من غير علمِهما يتقايؤه" ، وقالوا: "إذا أمر أحد الوالدين ولده بفعل مباح أو تركه وكان يغتمّ قلب الوالد أو الوالدة إن خالفهما يجب عليه أن يطيعهما في ذلك" .
ومن بِرّ الوالدين أن يَبر من كان أبوه يحبه بعد وفاة أبيه بالزيارة والإحسان، كذلك من كان تحبّه أمّه بعد وفاتها أن يصلهم ويُحسن إليهم ويزورهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أبَرِّ البِرِ أن يَبَرّ الرجل أهل وِدِّ أبيه بعد أن يُوَلّي" أي بعد أن يَموت .
ومن بِرِّ الوالدين زيارتهما بعد موتهما .
ومن أراد أن يكون بارًّا بوالديه فعليه أن يطيعهما في أغلب المباحات أو كلِّها.
قال أهل العلم: "من حيث المشروعية يطيع الولد والديه في المباح والمكروه" لكن لا يجب طاعتهما في كلِّ مباح بل يجب أن يطيعهما في كلِّ ما في تركه يحصل لهما غَم بسببه وإلا لا يكون واجبًا، فإذا طلب أحد الوالدين من الولد أن لا يسافر وكان سفره بلا ضرورة وجب عليه ترك ذلك السفر إذا كانا يغتمان بسفره. وإذا أراد الأب منع ولده من الخروج من البيت بدون إذنه فإن كان خروجه يُسبِّب للأب غما شديدًا بحيث يحصل له انهيار أو شبه ذلك عندئذٍ لا يجوز له الخروج بدون إذنه بل يكون خروجه من الكبائر، فدرجة المعصية في ذلك على حسب الإيذاء الذي يحصل للوالد.
وإذا طلب الأب او الأمّ من ابنه شيئا مباحًا كغسل الصحون أو ترتيب الغرفة أو تسخين الطعام أو عمل الشاي أو ما أشبه ذلك ولم يفعل فإن كان يغتمّ قلب الوالد أو الوالدة إن لم يفعل حرام عليه أن لا يفعل .
قال الله تعالى: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا . إمّا يبلغنّ عندك الكِبر احدهما أو كلاهما فلا تقلْ لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا} (سورة الإسراء 23-24) .
أمر الله عباده أمرًا مقطوعًا به بأن لا يعبدوا إلا إياه وأمر بالإحسان للوالدين، والإحسان هو البِرّ والإكرام. قال ابن عباس: "لا تنفض ثوبك فيصيبهما الغبار". وقال عُروة: "لا تمتنع عن شىء أحبّاه" .
وقد نهى الله تعالى عباده في هذه الآية عن قول "أفٍّ" للوالدين وهو صوت يدل على التضجّر، وأصلها نَفْخُك الشىء الذي يَسقط عليك من تراب ورماد، وللمكان تريد إماطة الأذى عنه فقيلت لكل مستثقل .
"ولا تنهرهما" ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يُعجبك، والنهي والنهر أخوان.
"وقل لهما قولاً كريمًا" أي ليِنا لطيفًا أحسن ما تجد كما يقتضيه حُسن الأدب.
"واخفض لهما جناج الذلِّ من الرحمة" أي أَلِن لهما جانبك متذلِّلاً لهما من فرط رحمتك إياهما وعطفك عليهما ولِكَبرِهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس . وخفض الجناح عبارة عن السكون وترك التصَعّب والإباء، أي ارفق بهما ولا تغلظ عليهما.
"وقل ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا" أي مثل رحمتهما إياي في صغري حتى ربياني، أي ولا تكتفِ برحمتك عليهما التي لا بقاء لها أو هو أن يقول: يا أبتاه يا أمّاه ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب معهما.
وفائدة "عندك" أنهما إذا صارا كَلاًّ على ولدهما ولا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكَنَفه وذلك أشقّ عليه، فهو مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما "أف" فضلاً عما يزيد عليه، ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ثم ضيّق الأمر في مراعاتهما حتى لم يُرخِّص في أدنى كلمة تنْفلت من المتضجّر مع موجبات الضجر ومع أحوالٍ لا يكاد يصبر الإنسان معهما.
وادعُ الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك، والدعاء مختص بالأبوين المسلمين.
وروى الحاكم والطبراني والبيهقي في شُعَبِهِ مرفوعًا "رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما" .
وعن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جَدِّه رضي الله عنهم قال: "قلت يا رسول الله من أبرّ ؟ قال أمك ، قلت ثُم من ؟ قال: أمّك، قلت ثُم من ؟ قال: أمك، قلت: ثُم من ؟ قال: أباك، ثُم الأقربَ فالأقرب" أخرجه أبو داود والترمذي وحسّنه.
فيُفهم من هذا الحديث تقديم الأمِّ على الأب في البِرِّ فلو طلبت الأمّ من ولدها شيئًا وطلب الأب خلافه وكان بحيث لو أطاع أحدهما يغضب الآخر يقدِّم الأمّ على الأب في هذه الحالة.
وإنَما حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه هذا على برّ الأمّ ثلاثًا وعلى برّ الأب مرّة لعنائها وشفقتها مع ما تقاسيه من حمل وطلق وولادة ورضاعة وسهر ليل. وقد رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحمل أمّه على ظهرة وهو يطوف بها حول الكعبة فقال: "يا ابن عمر أتراني وفّيتهما حقّها، قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرًا" .
وقد قال بعض العلماء بوجوب الاستغفار للأبوين المسلمين في العمر مرة، ثم الزيادة على ذلك قربة عظيمة، وليس شرطًا أن يكون هذا الاستغفار بعد وفاتهما.
فالولد إن استغفر لوالديه بعد موتهما ينتفع والداه بهذا الاستغفار حتى إنهما يلحقهما ثواب كبير فيعجبان من أي شىء جاءهما هذا الثواب فيقول لهما الملك هذا من استغفار ولدكما لكما بعدكما.
وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة العاقّ لوالديه والديوث ورَجُلَةُ النساء" رواه ابن حبان. أي لا يدخل هؤلاء الثلاثة الجنة مع الأوّلين إن لم يتوبوا وأما لو تابوا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه.
والديّوث: هو الذي يعرف الزنى في أهله ويسكت عليه مع مقدرته على منعهم.
ورجلة النساء : هي التي تتشبّه بالرجال .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يَسُبّ الرجل والديه ؟ قال : نعم يسبّ أبا الرجل فيسب الرجل أباه ويسب أمه فيسب أمه" .
وروى الحاكم بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجّل لصاحبه" يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة .
وقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث دعواتٍ مستجاباتٌ لا شكّ فيهنّ دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
وهذا معناه إن دعا عليه بحقّ أما إن دعا عليه بغير حقّ فلا يضرّه ذلك.
فمن أراد النجاح والفلاح فليبَرّ أبويه فإن من برّ أبويه تكون عاقبته حميدةً فبرّ الوالدين بركة في الدنيا والآخرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم
من مظاهر عقوق الوالدين
عقوق الوالدين يأخذ مظاهر عديدة، وصورا شتى، منها ما يلي
1 - إبكاء الوالدين وتحزينهما سواء بالقول أو الفعل، أو بالتسبب في ذلك.
2 - نهرهما وزجرهما وذلك برفع الصوت؛ والإغلاظ عليهما بالقول. قال - تعالى -: وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [ الإسراء: 23 ].
3 - التأفف، والتضجر من أوامرهما وهذا مما أدبنا الله - عز وجل - بتركه؛ فكم من الناس من إذا أمر عليه والداه - صدر كلامه بكلمة " أف " ولو كان سيطيعهما، قال - تعالى -: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [ الإسراء: 23 ].
4 - العبوس، وتقطيب الجبين أمامهما فبعض الناس تجده في المجالس بشوشا، مبتسما، حسن الخلق، ينتقي من الكلام أطايبه، ومن الحديث أعذبه؛ فإذا ما دخل المنزل، وجلس بحضرة الوالدين انقلب ليثا هصورا لا يلوي على شيء، فتبدلت حاله، وذهبت وداعته، وتولت سماحته، وحلت غلظته وفظاظته وبذاءته، يصدق على هذا قول القائل:
من الناس من يصل الأبعدين ويشقى به الأقرب الأقربُ 5 - النظر إلى الوالدين شزرا وذلك برمقهما بحنق، والنظر إليهما بازدراء واحتقار.
قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير قال: " ما بر والده من شد الطرف إليه "
6 - الأمر عليهما كمن يأمر والدته بكنس المنزل، أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام؛ فهذا العمل لا يليق خصوصا إذا كانت الأم عاجزة، أو كبيرة، أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بذلك بطوعها، وبرغبة منها وهي نشطة غير عاجزة - فلا بأس في ذلك، مع مراعاة شكرها، والدعاء لها.
7 - انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة وهذا العمل فيه محذوران، أحدهما: عيب الطعام، وهذا لا يجوز؛ فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإلا تركه.
والثاني: أن فيه قلة أدب مع الأم، وتكديرا عليها.
8 - ترك مساعدتهما في عمل المنزل: سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك.
بل إن بعض الأبناء - هداهم الله - يعد ذلك نقصا في حقه وهضما لرجولته.
وبعض البنات - هداهن الله - ترى أنها تعاني وتكابد العمل داخل المنزل - فلا تعينها.
بل إن بعضهن تقضي الأوقات الطويلة في محادثة زميلاتها عبر الهاتف، تاركة أمها تعاني الأمرين.
9 - الإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا: وذلك بترك الإصغاء إليهما، أو المبادرة إلى مقاطعتهما أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والاشتداد في الخصومة والملاحاة معهما.
فكم في هذا العمل من تحقير لشأن الوالدين، وكم فيه من إشعار لهما بقلة قدرهما.
10 - قلة الاعتداد برأيهما: فبعض الناس لا يستشير والديه، ولا يستأذنهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكنى خارجه، أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو نحو ذلك.
11 - ترك الاستئذان حال الدخول عليهما: وهذا مما ينافي الأدب معهما، فربما كانا أو أحدهما في حالة لا يرضى أن يراه أحد عليها.
12 - إثارة المشكلات أمامهما: سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
فبعض الناس لا يطيب له معاتبة أحد من أهل البيت على خطأ ما - إلا أمام والديه، ولا شك أن هذا الصنيع مما يقلقهما، ويقض مضجعهما.
13 - ذم الوالدين عند الناس والقدح فيهما، وذكر معايبهما: فبعض الناس إذا أخفق في عمل ما - كأن يخفق في دراسته مثلا - ألقى باللائمة والتبعة على والديه، ويبدأ يسوغ إخفاقه ويلتمس المعاذير لنفسه بأن والديه أهملاه، ولم يربياه كما ينبغي، فأفسدا عليه حياته، وحطما مستقبله، إلى غير ذلك من ألوان القدح والعيب.
14 - شتمهما، ولعنهما: إما مباشرة، أو بالتسبب في ذلك؛ كأن يشتم الابن أبا أحد من الناس أو أمه، فيرد عليه بشتم أبيه وأمه.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من الكبائر شتم الرجل والديه . قيل: وهل يشتم الرجل والديه ؟ ! قال: نعم ! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه
15 - إدخال المنكرات للمنزل: كإدخال آلات اللهو والفساد للبيت، مما يتسبب في فساد الشخص نفسه، وربما تعدى ذلك إلى فساد إخوته وأهل بيته عموما، فيشقى الوالدان بفساد الأولاد، وانحراف الأسرة.
16 - مزاولة المنكرات أمام الوالدين: كشرب الدخان أمامهما، أو استماع آلات اللهو بحضرتهما، أو النوم عن الصلاة المكتوبة، ورفض الاستيقاظ لها إذا أوقظاه، وكذلك إدخال رفقة السوء للمنزل؛ فهذا كله دليل على التمادي في قلة الحياء مع الوالدين.
17 - تشويه سمعة الوالدين: وذلك باقتراف الأعمال السيئة، والأفعال الدنيئة، التي تخل بالشرف، وتخرم المروءة، وربما قادت إلى السجن والفضيحة، فلا شك أن هذا من عقوق الوالدين؛ لأنه يجلب لهما الهم، والغم، والخزي، والعار.
18 - إيقاعهما في الحرج: كحال من يستدين أموالا، ثم لا يسددها، أو يقوم بالتفحيط، أو يسيء الأدب في المدرسة؛ فتضطر الجهات المسؤولة إلى إحضار الوالد في حالة فقدان الولد، أو إساءته للأدب.
وربما أوقف الوالد ريثما يسدد الولد دينه، أو يحضر ويسلم نفسه.
19 - المكث طويلا خارج المنزل: وهذا مما يقلق الوالدين ويزعجهما على الولد، ثم إنهما قد يحتاجان للخدمة، فإذا كان الولد خارج المنزل لم يجدا من يقوم على خدمتهما.
20 - الإثقال عليهما بكثرة الطلبات: فمن الناس من يثقل على والديه بكثرة طلباته، مع أن الوالدين قد يكونان قليلي ذات اليد، ومع ذلك ترى الولد يلح عليهما بشراء سيارة له، وبأن يزوجاه، ويوفرا له مسكنا جديدا، أو بأن يطلب منهما مالا كثيرا؛ كي يساير زملاءه وأترابه.
21 - إيثار الزوجة على الوالدين: فبعض الناس يقدم طاعة زوجته على طاعة والديه، ويؤثرها عليهما، فلو طلبت منه أن يطرد والديه لطردهما ولو كانا بلا مأوى.
وترى بعض الأبناء يبالغ في إظهار المودة للزوجة أمام والديه، وتراه في الوقت نفسه يغلظ على والديه، ولا يرعى حقهما.
وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة في الصفحات التالية.
22 - التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر: فبعض الأولاد إذا كبر وصار له عمل يتقاضى مقابله مالا تخلى عن والديه، واشتغل بخاصة نفسه.
23 - التبرؤ منهما، والحياء من ذكرهما، ونسبته إليهما: وهذا من أقبح مظاهر العقوق، فبعض الأولاد ما إن يرتفع مستواه الاجتماعي، أو يترقى في الوظائف الكبيرة إلا ويتنكر لوالديه، ويتبرأ منهما، ويخجل من وجودهما في بيته بأزيائهما القديمة.
وربما لو سئل عنهما لقال: هؤلاء خدم عندنا !.
وبعضهم يرفض أن يذكر اسم والده في الولائم والمناسبات العامة؛ خجلا من ذلك ! وهذا العمل - بلا ريب - دليل على ضعة النفس، وصغر العقل، وحقارة الشأن، وضيق العطن.
وإلا فالنفس الكريمة الأبية تعتز بمنبتها، وأرومتها، وأصلها، والكرام لا ينسون الجميل.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن 24 - التعدي عليهما بالضرب: وهذا العمل لا يصدر إلا من غلاظ الأكباد، وقساة القلوب، الذين خلت قلوبهم من الرحمة والحياء، وخوت نفوسهم من أدنى مراتب المروءة والنخوة والشهامة.
25 - إيداعهم دور العجزة والملاحظة: وهذا الفعل غاية في البشاعة، ونهاية في القبح والشناعة، يقشعر لهوله البدن، ويقف لخطبه شعر الرأس، والذي يفعله لا خير فيه البتة.
26 - هجرهما، وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي: وهذا خلل وخطل؛ فبر الوالدين واجب ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، وعندهما بعض التقصير ؟ !
27 - البخل والتقتير عليهما: فمن الناس من يبخل على والديه، ويقتر عليهما في النفقة. وربما اشتدت حاجتهما إلى المال، ومع ذلك لا يعبأ ولا يبالي بهما.
28 - المنة وتعداد الأيادي على الوالدين: فمن الناس من قد يبر والديه، ولكنه يفسد ذلك بالمن والأذى، وتعداد الأيادي، وذكر ذلك البر بمناسبة وبدون مناسبة.
29 - السرقة من الوالدين: وهذا الأمر جمع بين محذروين، السرقة والعقوق؛ فتجد من الناس من يحتاج للمال، فيقوده ذلك إلى السرقة من والديه إما لكبرهما، أو لغفلتهما.
ومن صور السرقة أن يخدع أحد والديه، فيطلب منه أن يوقع على إعطائه كذا وكذا من المال أو الأرض أو نحو ذلك. وقد يستدين منهما، وهو مبيت النية على ألا يسدد.
30 - الأنين وإظهار التوجع أمامهما: وهذا الأمر من أدس صور العقوق؛ ذلك أن الوالدين - وخصوصا الأم - يقلقان لمصاب الولد، ويتألمان لألمه؛ بل ربما يتألمان أكثر منه.
31 - التغرب عن الوالدين دون إذنهما، ودون الحاجة إلى ذلك: فبعض الأبناء لا يدرك أثر بعده عن والديه؛ فتراه يسعى للغربة والبعد عن الوالدين دون أن يستأذنهما، ودون أن يحتاج إلى الغربة؛ فربما ترك البلد الذي يقطن فيه والداه دون سبب، وربما تغرب للدراسة في بلد آخر مع أن تلك الدراسة ممكنة في البلد الذي يسكن فيه والداه إلى غير ذلك من الأسباب التي لا تسوغ غربته.
وما علم أن اغترابه عن والديه يسبب حسرتهما، وقلقهما عليه، وما علم أنه ربما مات والداه أو أحدهما وهو بعيد عنهما باختياره؛ فيخسر بذلك برهما، والقيام عليهما.
أما إذا احتاج الابن إلى الغربة، واستأذن والديه فيها - فلا حرج عليه.
32 - تمني زوالهما: فبعض الأولاد يتمنى زوال والديه؛ ليرثهما إن كانا غنيين، أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في غيه وجهله.
33 - قتلهما والتخلص منهما: فقد يحصل أن يشقى الولد، فيقدم على قتل أحد والديه؛ إما لسورة جهل، أو ثورة غضب، أو أن يكون في حال سكر، أو طمعا في الميراث، أو غير ذلك.
فيا لشؤم هذا، ويا لسواد وجهه، ويا لسوء مصيره وعاقبته، إن لم يتداركه الله برحمته.
هذه بعض المظاهر والصور لعقوق الوالدين، ذلك العمل القبيح، والمسلك الشائن، الذي لا يليق بأولي الألباب، ولا يصدر من أهل التقى والصلاح والرشاد.
فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه.
وهذا أمر مشاهد محسوس، يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا؛ بسبب عقوقهم لوالديهم.
لعقوق الوالدين أسباب كثيرة منها:
- الجهل فالجهل داء قاتل، والجاهل عدو لنفسه، سوء التربية: فالوالدان إذا لم يربيا أولادهما على التقوى، والبر والصلة، وتطلاب المعالي - فإن ذلك سيقودهم إلى التمرد والعقوق.
3 - التناقض: وذلك إذا كان الوالدان يعلمان الأولاد، وهما لا يعملان بما يعلمان، بل ربما يعملان نقيض ذلك، فهذا الأمر مدعاة للتمرد والعقوق.
4 - الصحبة السيئة للأولاد: فهي مما يفسد الأولاد، ومما يجرؤهم على العقوق.
كما أنها ترهق الوالدين، وتضعف أثرهم في تربية الأولاد.
5 - عقوق الوالدين لوالديهم: فهذا من جملة الأسباب الموجبة للعقوق؛ فإذا كان الوالدان عاقين لوالديهم عوقبا بعقوق أولادهما - في الغالب - وذلك من جهتين:
أولاهما: أن الأولاد يقتدون بآبائهم في العقوق.
وآخرهما: أن الجزاء من جنس العمل.
6 - قلة تقوى الله في حالة الطلاق: فبعض الوالدين إذا حصل بينهما طلاق لا يتقيان الله في ذلك، ولا يحصل الطلاق بينهما بإحسان.
بل تجد كل واحد منهما يغري الأولاد بالآخر، فإذا ذهبوا للأم قامت بذكر مثالب والدهم، وبدأت توصيهم بصرمه وهجره، وهكذا إذا ذهبوا إلى الوالد فعل كفعل الوالدة.
والنتيجة أن الأولاد سيعقون الوالدين جميعا، والوالدان هما السبب كما قال أبو ذؤيب الهذلي:
فلا تغضبن في سيرة أنت سرتها
وأول راض سنة من يسيرها
7 - التفرقة بين الأولاد: فهذا العمل يورث لدى الأولاد الشحناء والبغضاء، فتسود بينهم روح الكراهية، ويقودهم ذلك إلى بغض الوالدين وقطيعتهما.
8 - إيثار الراحة والدعة: فبعض الناس إذا كان لديه والدان كبيران أو مريضان - رغب في التخلص منهما، إما بإيداعهما دور العجزة، أو بترك المنزل والسكنى خارجه، أو غير ذلك؛ إيثارا للراحة - كما يزعم - وما علم أن راحته إنما هي بلزوم والديه، وبرهما.
9 - ضيق العطن: فبعض الأبناء ضيق العطن، فلا يريد لأحد في المنزل أن يخطئ أبدا، فإذا كسرت زجاجة، أو أفسد أثاث المنزل - غضب لذلك أشد الغضب؛ وقلب المنزل رأسا على عقب.
فهذا مما يزعج الوالدين، ويكدر صفوهما.
كذلك قد تجد بعض الأبناء يأنف من أوامر والديه، خصوصا إذا كان الوالدان أو أحدهما فظا غليظا، فتجد الولد يضيق ذرعا، ولا يتسع صدره لهما.
10 - قلة إعانة الوالدين لأولادهما على البر: فبعض الوالدين لا يعين أولاده على البر، ولا يشجعهم على الإحسان إذا أحسنوا.
فحق الوالدين عظيم، وهو واجب بكل حال.
لكن الأولاد إذا لم يجدوا التشجيع، والدعاء، والإعانة من الوالدين - ربما ملوا، وتركوا بر الوالدين، أو قصروا في ذلك.
11 - سوء خلق الزوجة: فقد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة الخلق، لا تخاف الله، ولا ترعى الحقوق، فتكون شجى في حلقه، فتجدها تغري الزوج، بأن يتمرد على والديه، أو يخرجهما من المنزل، أو يقطع إحسانه عنهما؛ ليخلو لها الجو بزوجها، وتستأثر به دون غيره.
12 - قلة الإحساس بمصاب الوالدين: فبعض الأبناء لم يجرب الأبوة، وبعض البنات لم تجرب الأمومة، فتجد من هذه حاله لا يأبه بوالديه؛ سواء إذا تأخر بالليل، أو إذا ابتعد عنهما، أو أساء إليهما.
هذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الوالدين. نماذج من قصص البر
مر بنا بر الوالدين، والآداب التي يجدر بنا مراعاتها معهما، والأسباب التي تعين على البر؛ فما أحرانا بمراعاة هذه الآداب، وما أجدرنا أن نأخذ بتلك الأسباب، عسى أن نكون من الأبرار الأخيار، الذين إذا دعوا ربهم أجابهم، وإذا استغفروه غفر لهم؛ فيا لشرف هؤلاء، ويا لسؤددهم، ويا لعظم حظهم.
ثم ليكن لنا في الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا - قدوة حسنة في هذا الشأن؛ فلقد ضربوا أروع الأمثلة في بر الوالدين؛ فرفع الله منزلتهم في الدارين، وأعلى ذكرهم في الخالدين.
وإليك - فيما يلي - بعض النماذج العطرة، والقصص الرائعة، التي يتضوع عبيرها، ويفوح شذاها مع مر الأزمان عليها، لأناس بررة أخيار، وفقوا لبر والديهم؛ لعلها تحرك في نفوسنا جوانب الخير، وتدفعها إلى الإحسان والبر.
نماذج من بر الأنبياء:
1 - هذا نبي الله نوح - عليه السلام - يذكر لنا الله - عز وجل - نموذجا من بره بوالديه حيث كان يدعو ويستغفر لهما كما في قوله - تعالى - عنه: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ نوح: 28 ].
2 - وهذا إمام الموحدين إبراهيم الخليل - عليه السلام - يخاطب أباه بلطف شفاف، وإشفاق بالغ، وحرص أكيد؛ رغبة في هدايته ونجاته، وخوفا من غوايته وهلاكه فيقول - كما أخبر الله عنه -: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [ مريم:41 - 45 ].
لقد خاطب والده بتلك الكلمات المؤثرة، والعبارات المشفقة، التي تصل إلى الأعماق.
ولولا أنها وجدت قلبا قاسيا عاسيا أغلف أسود - لأثرت به، وكانت سببا في هدايته، ونجاته.
3 - وهذا إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية؛ وذلك عندما قال له أبوه: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ الصافات: 102 ].
فماذا كان رد ذلك الولد الصالح ؟ هل تباطأ أو تكاسل، أو تردد وتثاقل ؟ لا، بل قال - كما - أخبر الله تعالى عنه -: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ الصافات: 102 ].
وقد ورد أن إبراهيم - عليه السلام - لما تيقن مما رأى في منامه قال لابنه: يا بني خذ الحبل والمدية، وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا به في شعب ( ثبير ) أخبره بما أمر به، فلما أراد ذبحه قال له: يا أبت اشدد رباطي؛ حتى لا أضطرب، واكفف عني ثيابك؛ حتى لا يصيبها الدم فتراه أمي، واشحذ شفرتك، وأسرع في السكين على حلقي؛ ليكون أهون علي، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني.
قال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني، ثم أقبل عليه وهما يبكيان، ثم وضع السكين على حلقه، فلم تحز، فشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر فلم تقطع، فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني على وجهي؛ فإنك إن نظرت إلى وجهي رحمتني، وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله - تعالى - وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع، ففعل ذلك إبراهيم - عليه السلام - ووضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [ الصافات: 104، 105 ]
4 - وهذا عيسى بن مريم - عليه وعلى أمه السلام - يأتيه الثناء العطر، والتبجيل العظيم من ربه وهو ما يزال في المهد - بأنه بار بأمه، ويقرن هذا بعبوديته لربه - عز وجل - قال - سبحانه - عنه: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [ مريم: 32 ].
سبل العلاج
قد مر بنا عظم حق الوالدين، والترغيب في برهما، والترهيب من عقوقهما، ومر شيء من مظاهر العقوق، وصوره، وقصصه، وأسبابه.
وإذا كان الأمر كذلك - فما أحرى بذي اللب أن يحرص كل الحرص على بر والديه، وأن يتجنب عقوقهما؛ رغبة بما عند الله من جزيل الثواب، ورهبة مما لديه من شديد العقاب، العاجل والآجل.
؟
| |
|
بريق اللؤلؤ عضو ذهبي
عدد المساهمات : 412 نقاط : 340 السٌّمعَة : 7 تاريخ التسجيل : 28/04/2010 الموقع : أرض الـطـهـر
| موضوع: رد: ملف شامل عن عقوق الوالدين وبرهم الخميس يوليو 15, 2010 9:16 am | |
| الله يجزاك كل خيــــــــر أخي الكريم باسم شاور ويوفقك إلى ما يحب ويرضى ويجعل كل ما تقدمه في موازبن حسناتك ...آآآآمين | |
|
شذى الورد عضو مشارك
عدد المساهمات : 42 نقاط : 34 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : المملكه الاردنيه الهاشميه
| موضوع: رد: ملف شامل عن عقوق الوالدين وبرهم الجمعة يوليو 16, 2010 12:09 am | |
| شكرا الك اخي باسم شاور والله يعطيك الف عافيه وجزاااك الله كل خير | |
|