الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلىآله وصحبه أما بعد:
فالوضوء على الوضوء أو ما يعرف بتجديد الوضوء مستحب عندجمهور الفقهاء بمن فيهم الأئمة الأربعة ، وعن الإمام أحمد رواية لا فضل فيه ،والأصح عند الحنابلة الرواية الموافقة للجمهور.
واشترط الشافعي للاستحباب فيالأصح من مذهبهم أن تصلي بالوضوء الأول ركعتين فرضاً أو نفلاً ، واشترط الأحناف أنيفصل بين الوضوءين بمجلس أو صلاة ، فإن لم يفصل كره ، عندهم ونقل عن بعضهم مشروعيةالتجديد وإن لم يفصل مادام لا يعتقد سنية الغسلة الرابعة لأعضاء الوضوء.
واشترطالمالكية أن يفصل بين الوضوء الأول والثاني بعبادة يشترط لصحتها الوضوء من طواف أوصلاة أو مس مصحف …الخ ) واستدلوا على استحباب تجديد الوضوء بأدلة كثيرة منها : مارواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن غطيف الهذلي قال ( رأيت ابن عمر يوماً توضألكل صلاة فقلت : أصلحك الله ! أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة ؟ فقال : لا. لوتوضأت لصلاة الصبح لصليت به الصلوات كلها ما لم أحدث ، ولكن سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول: "من توضأ على طهرٍ فله عشر حسنات " وإنما رغبت في الحسنات ). الا أن هذا الحديث قال عنه النووي في المجموع شرح المهذب: ضعيف متفق على ضعفه ،وممن ضعفه الترمذي والبيهقي )انتهى .
واحتجوا أيضا بما رواه البخاري عن أنسقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة ، وكان أحدنا يكفيهالوضوء ما لم يحدث"
قال النووي : لكن لا دلالة فيه للتجديد لاحتمال أنه كانيتوضأ عن حدث ، وهذا الاحتمال مقاوم لاحتمال التجديد ، فلا يرجح التجديد إلا بمرجحآخر. انتهى.
واحتجوا بما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال " الوضوءعلى الوضوء نور على نور" قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى : قال المنذري والزينالعراقي لم نقف على من خرجه ، واعترضا بأن رزيناً أورده في كتابه. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (( وهو حديث ضعيف)) انتهى.
وبما رواه مسلم عن بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كلصلاة ، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر : إنك فعلت شيئاً لمتكن تفعله فقال: " عمداً فعلته". أي لبيان الجواز. وبما رواه أحمد عن أبي هريرة عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ،ومع كل وضوء بسواك"
وبما أخرجه البخاري وأصحاب السنن " أن النبي صلى الله عليهوسلم كان يتوضأ عند كل صلاة " زاد الترمذي ( طاهراً أو غير طاهر) . وبما أخرجه مسلمعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم ؟قال : إن شئت. قال أنتوضأ من لحم الإبل ؟ قال : نعم".
قال ابن الأمير الصنعانيفي سبل السلام ( و في الحديث مأخذ لتجديد الوضوء فإنه حكم بعدم نقض الأكل من لحومالغنم ، وأجاز له الوضوء ، وهو تجديد الوضوء على الوضوء " انتهى.
وللإمامالشوكاني في نيل الأوطار كلام تفسيرنفيس في هذا الموضوع ننقله برمته لتمام الفائدة ( وفي حديث عدم الوضوء من لحوم الغنم دليل على تجديد الوضوء ، لأنه حكم صلى اللهعليه وسلم بأن أكل لحومها غير ناقض. ثم قال للسائل عن الوضوء "إن شئت" وقد وردتالأحاديث الصحيحة في فضل الوضوء كحديث " ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقولأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله إلا فتحت له أبوابالجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " أخرجه مسلم وأهل السنن من حديث عقبَه بن عامر. وحديث " إنها تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء " عند مسلم ومالك والترمذيمن حديث أبي هريرة وحديث "من توضأ نحو وضوئي هذا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ،وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة " أخرجه الشيخان من حديث عثمان وحديث "إذاتوضأت اغتسلت خطاياك كيوم ولدتك أمك" عند مسلم والنسائي من حديث أبي أمامة. وغيرذلك كثير . فهل يجمُل بطالب الحق الراغب في الأجر أن يدع هذه الأدلة التي لا تحتجبأنوارها على غير أكمه ، والمثوبات التي لا يرغب عنها إلا أبله ، ويتمسك بأذيالتشكيك وشبهة مهدومة هي مخافة الوقوع بتجديد الوضوء لكل صلاة من غير حدث في الوعيدالذي ورد في حديث " فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم "بعد أن تكاثرت الأدلة على أنالوضوء لكل صلاة عزيمة وأن الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة رخصة ، بل ذهب قومإلى الوجوب عند القيام للصلاة كما أسلفنا دع عنك هذا كله هذا ابن عمر يروى أن رسولالله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسناتأخرجه الترمذي وأبو داود فهل أنص على المطلوب من هذا ؟ وهل يبقى بعد التصريحأرتياب.) انتهى كلامه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشرافد.عبدالله الفقيه
منقول: شبكة الأمام الآجري